منحنى الروح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(خروج أخير)عندما أدرك أن البقاء أصبح أمراً غير مأمون،وأن محاولة الاستمرار مغامرة غير محسوبة من الممكن أن تنتهي بطعنة سكين أثناء النوم أو خبطة "هون" تأتي غفلة – ولما كان تصور هذه الأشياء لم يعد من الصعب وحدوثها لم يعد من الأمور المستحيلة، وحتى لم يعد ينظر إليها الناس علي أنها من علامات القيامة – لم يستطع وقتها الشك أن يحمي التردد.. فخرج.(سقوط أول)متجهًا ناحية السماء كان رجل ذو لحية رمادية وشارب مائل للسواد يرتدي زيًا عفويًا .. يحمل سكينًا كبيرة ويصعد في تحدٍ درجات سلم خشبي مزدوج وضعه في منتصف الميدان – هكذا رأى، أو ربما تخيل – ولما وصل قرب المشهد، كان الرجل قد هبط بعد أن سدد عدة طعنات في الفراغ مواجهًا نظرات الدهشة والتساؤل في عينيه بابتسامة ارتياح من تخلص من حمل جبل، قائلاً بنبرة الواثق من فعلته: - هكذا تصبح الأمور أكثر منطقية - نعم ؟ - من المؤكد أننا لا نستطيع مواجهة العقل والجنون في ميدانٍ واحد.. أما الآن فلن يبقي سوي الموت.. لكن المسألة ستحتاج لوقتٍ أطول - مش فاهم - أنظر لم يكن هناك علي امتداد القوس الذي أحدثته الإشارة – بدءاً من مبني الجامعة الأمريكية وانتهاءً بجامعة الدول العربية – سوي أربعة من جنود الأمن يقف كل اثنان منهما أمام إحدى المبنيين بزيهم العسكري المميز، "الأفرول" الأسود الداكن و"البيادة" السوداء الثقيلة و"الباريه" الأسود ذي الخطوط الحمراء، حاملاً في كتفه بندقيته الآلية. أخرج سيجارته الوحيدة من جيب قميصه المفتوح علي صدره بعنف.. أشعلها – وكأنه يتأمل نتيجة ما فعل – نظر إلي السماء نظرةً طويلة ثم أخرى إلي الأرض، وفي هدوء من يستعيد بذاكرته تاريخًا صعبًا، مسح بيده علي رأسه، ثم انحني فحمل سلمه وسار. كمن ينظر في المرآة تركه يتأمل ملامحه وهو يستعيد تفاصيل المشهد.. تحسس جبهته وحاجبه، ربما ليتأكد من وجود نفس العلامات.. الشج الملتئم في بروز تقطعه العين، والآثار الناعمة للحروق.. كل آثار معاركهما القديمة.. تذكر بدائل الموت في شروخ خشب الباب وحطام النوافذ.. القطع الحاد في الوسادة، والثقب الغائر في منتصف الفراش بينما كانت ملامحها الغليظة وهي ما تزال تقذفه بالأشياء التي تلت كوب الشاي الساخن، تحدث في نفسه اضطرابًا عنيفًا، ولما اقتربت بوجهها من وجهه وبصقت، فاجأه دوارٌ عنيف، فسقط علي الأرض متفاديًا بغياب وعيه طلقات فم سائق السيارة المارة بجواره في جنون، مقتلعةً ملابسه وأعلام المبنى والسور الحديدي الفاصل بين اتجاهي السير من جذورهالمدى/ العدد الأول- 1994