أحلام مصرية
الموقع الشخصي للأديب المصري
ناصر البدري

 الرئيسية  بياناتي  دخول  خروج

تسجيل الدخول
استطلاع رأي
قيم موقعي
مجموع الردود: 17
إحصائية

المتواجدون الآن: 1
زوار: 1
مستخدمين: 0

العيد ليس غدًا

 
العيد ليس غدا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لما قالها سالت من عينيها دمعتان أخفتهما في صدر "هناء" الجالسة علي حجرها .. رفعتها إلي وجهها وقبلتها في فمها الدقيق، وبعد أن أراحتها علي السجادة الصغيرة .. ذهبت إليه .. أخذت يده بين كفيها واعتصرتها ثم أراحتها علي ساقه وأشعلت له السيجارة التي كان قد أخرجها ونسيها وهو يراقب من خلال الزجاج المكسور ما يفعله الناس في الحارة، ويستعيد ذكريات الأحداث البعيدة لمثل هذه الليلة. الآن يستطيع أن "يقلبها".. في العام الماضي لم يقدر، ولكن هذه المرة سيفعلها، لقد ازدات قامته طولا .. قويت يداه واشتدت ساقه، ويستطيع الآن أن يجدف أقوى .. سيرتفع بها لأعلي حتى تأتي هذه اللحظة التي سيصفق له فيها الجميع عندما يصبح قاع المركب متجهًا إلي السماء و تكون رأسه هو لأسفل .. سيراهم يقفون "بالمقلوب" ينظرون إليه مشدوهين في انتظار اللحظةِ الحاسمة .. سيستطيع وقتها بدفعةٍ بسيطة من ذراعيه أن "يقلبها
متزعلش نفسك كده يابو هناء .. دا قادر يفرجها من عنده -
لأ مش عايز طراطير-
سيختار لنفسه وجه عنتر، ويشتري لنوال البالونة الحمراء. عندما يكبر ستصبح نوال زوجته، هكذا قالت أمه وأكدت خالته
والنبي لايقين علي بعض ياولاد-
أهو ابن خالتها وأولى بيها من الغريب-
سيذهب بنوال لسوق العيد .. ستراه وهو يمسك بالبندقية، "يكسرها" ويضع في قلبها " الرشة" ويضغط علي الزناد فتخرج "الرشة" لتخرق "عين الحسود" .. ستفرح نوال به كثيرًا، وسيهديها قطعة الملبن
أنت طول عمرك جدع يا ابو هناء ومؤمن .. قول يارب كده ومتشلش هم.. أديك بتعمل اللي عليك والباقي علي ربنا-
أخذت من بين أصابعه التي أوشكت أن تحرقها السيجارة دون أن يأخذ منها شيئًا .. انتهت وملأ دخانها الحجرة الصغيرة، ومن بين سحائبه لامست نظراته وجهي سمير وعلاء النائمين علي "الكنبة" . لم يكن يستطيع وقتها سوى النظر كانت محلات الحلوى قد ازدانت بالمصابيح الملونة وظهرت علي واجهات محلات الملابس والأحذية اللافتات معلنةً عن "الاوكازيون" الكبير.
شوف كده يا حسن .. عملتك عروسة .. أنت مش بتحب العرايس؟-
لأ أنا بحب نوال .. إعمليلي جمل -
طب روح لابوك الفرن عشان تجيب معاه الصاجات -
وحد الله كده يابو هناء .. حقوم اعملك كوباية شاي-
بعد أداء الصلاة بالمسجد عاد مع أبيه إلي البيت ليخلع الجلباب الأبيض والطاقية "الشبيكة" البيضاء ويرتدي البنطلون الأزرق الجديد، أزرق وله جيوب ذات أغطية مثلثة عليها أزرار صفراء، والقميص الأحمر المرسوم علي صدره طاووس له ريش ملون بألوان زاهية، والحذاء كان هذه المرة كما أراده "ببوز" .. كلها كانت جديدة .. البنطلون الأزرق والقميص الأحمر والحذاء "أبو بوز".
متخرجش قبل ما تفطر-
أعطته أمه كوبا كبيرًا من الشاي بالحليب وثلاث كعكات بالسكر وقطعتين من الغريبة وبعض أصابع البسكويت، وبعد أن احتضنته وقبلته أعطته " العيدية" .. ما يوازي نصف مصروفه اليومي خلال عام كامل، وهكذا فعل أبوه أيضًا، وعندما يحضر أعمامه الثلاثة وخاله وخالته سيصبح لديه من المال ما يستطيع به تحقيق كل الأمنيات المتراكمة خلال العام.
كانوا قد بدأوا في صناعة القنابل التي سيلقونها غدًا علي رؤوس الإنجليز الذين سيتخيلونهم يمرون بالشوارع .. يجمعون حبات البارود والحصى من وحدات البمب الصغيرة ويضعونها داخل علب الورنيش المدورة، وبعد أن ينتهوا من صناعة قنابلهم يتجمعون في صفين متوازيين ويبدأون السير في طابورٍ طويل .. يدقون الأرض بأقدامهم الصغيرة ملوحين بقبضاتهم الرشيقة في الهواء وهم ينشدون ياعزيز يا عزيز .. بمبة حتاخد لنجليز
كانت نوال الجميلة تتوسط الحلقة الكبيرة التي تدور في اتجاه اليمين مرةً وفي اتجاه اليسار مرةً أخرى، بينما رائحة البرتقال الأحمر الصغير تفوح من أغنيات البنات
كانت الحارة الصغيرة هادئة هذه الليلة إلي حدٍ كبير، وتكاد تكون خاوية تمامًا عندما عاد من ذاكرته البعيدة بعينين حزينتين معلنًا حكمه النهائي بأن العيد ليس غدًا

جريدة الأهرام المسائي (مصر) 15/12/1992
مجلة المنهل (السعودية) العدد506 – يوليو 1993
بحث
نتيجة
«  أبريل 2024  »
إثثأرخجسأح
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930

Copyright MyCorp © 2024