كل شئ إلا وجهك

كل شئ إلا وجهك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"آه .. " لو أن الفتي حجرٌ"

لكني تعبت .. والله العظيم " تعبت ". ريـم لم تأت بعد، والمطر مازال ينهمر ثقيلا عـلي جسدي، والأرض مازالت تنبت الوحل، والسماء مليئة مازالت بالغيوم .. الريح تأتي باردة .. باردة . ينتفض البدن النحيل ، وترتجف الروح .. صفير حاد يثقب الأذن بشدة، وصداع عنيف يقبض عـلي الرأس .. العينان موخوزتان، والصدر مخنوق برائحة الرصاص الثقيل ..سحابات كثيفة من دخان أسود تملأ الجـو ..تسقط علي الجلد مع حبات المطر، فتسم الوجوه بلون الفزع .. ثمة قلق فظيع يعوي في النفس .. ينهش الروح فتغيم ويكاد القلب ينفجر .. الليل غول كبير يلتهم الحلم، والإسفلت كابوس طويل لا ينتهي إلا بالوجع ، وأنا " تعبت .. تعبت " . قدماي لم تعدا تقويان علي حملي، والمقعد الخشبي الصغير بجانبي مشغول " دائماً مشغول " والمرأة العجوز بجانبي مازالت تأن ، و"الباص" الذي يأتي دائماً مزدحماً .. يأتي مزدحماً . وهي لا تستطيع الركوب علي هذه الحال، وأنا لا أستطيع الرحيل في كل الأحوال ، فريـم لم تأت بعد .. لقد تأخرت طويلاً وانتظرت أنا طويلاً رغم كل شئ، وكل شئ مازال علي حاله رغم طول انتظاري .. أمي المسكينة مازالت تبكي وتبتهل خلف كل صلاة _ وهي الآن تصلي أكثر من عشرة أوقات في اليوم _ وأبي المريض مازال مريضاً وبقع الدم علي الوسادة الصفراء ما زالت تكبر، وأختي الوحيدة المنزوية في ركن البيت مازالت وحيدة ومنزوية وزوجها الغائب خلف بحار النفط مازال غائباً .. عيون أخي في البرواز الكبير ذي الشارة السوداء علي حائط القلب في غرفته المغلقة منذ عشرين عاماً ما زالت تسائلني عن أشياءٍ غامضة وتزرعان في النفس هاجساً لا يبين ..حوائط البيت القديم مازالت تساقط حجراً وراء حجر ..الكلاب مازالت تنبح علي رأس الشارع الموحش، والحارة الكئيبة المظلمة مازالت كئيبة ومظلمة ، والأصدقاء الذين رحلوا لم يرجعوا بعد، وأنا وحدي يا ريـم أخشى الليل وقلبي لا يحتمل الوجع، وأنت يا ريـم بعيدة .. لقد تأخرت طويلاً وانتظرت أنا طويلاً رغم كل شئ، وكل شئ مازال علي حاله رغم طول انتظاري .. كل شئ يا ريـم كل شئ .. سوي شئ واحد فقط، هو أنني " تعبت " .. والله العظيم " تعبت